قانون الانتخاب على الطاولة، لكن قانون الحسابات والمصالح الفئوية الضيقة تحت الطاولة. ولا شيء يوحي أن الإرادة السياسية الضرورية لفتح نافذة إصلاحية ولو صغيرة في جدار النظام المفلس والقوي في آن، يمكن أن تتجاوز حدود ادارة الأزمة لمصلحة حراسها الأقوياء والحفاظ على أحجامهم باسم الطوائف والمذاهب والقوى الخارجية المؤيدة لهم. ولا أحد يجهل أن البحث في قانون الانتخاب والذي تأخر عن الموعد الطبيعي في أي نظام ديمقراطي يواجه مفارقة سوريالية: فمن جهة يريد البعض المزيد من التأخير كما لو أننا نعبر الجسر قبل الوصول اليه، ومن جهة أخرى يتكهن البعض الآخر بتأجيل الانتخابات لأسباب تتعلق بتصوره لتطورات خطيرة في الوضع الداخلي مفتوحة عي تطورات الوضع الإقليمي وخصوصاً في سوريا. ومن حسن الحظ أن الرئيس ميشال سليمان يرفض مجرد الحديث عن التأجيل، ويصر على أن يصبح احترام المواعيد والاستحقاقات الدستورية من الثوابت في الحياة السياسية.
وليس في الحياة السياسية في لبنان وأي بلد ديمقراطي أهم من قانونين: قانون الانتخاب وقانون الموازنة. وهما معاً في حكم الغائب حالياً. فالدوران حول قانون الستين الذي حضوره أخطر من الغياب يبدو المسار العملي وسط المسار النظري للبحث في كل الأفكار والمشاريع. ومشروع قانون الموازنة الذي أقره مجلس الوزراء هو مجرد مشروع نظري لتشريع سلفات الخزينة.
فلا مجال لإقراره في المجلس النيابي لغياب قطع الحساب عن السنوات الماضية وصعوبة الاتفاق على تسوية. ولا هو أكثر من حساب دكان يفتقر الى رؤية اقتصادية ومالية، ويخلو من نقاط في تأمين الموارد يراها الخبراء خطرة ويسجلون الكثير من الملاحظات عليها.
والمشكلة الأكبر أن نبدأ البحث في قانون الانتخاب من الصفر كأننا بلا تجارب سابقة وكأن تجارب البلدان الديمقراطية غائبة. فليس للتمثيل الشعبي السليم والصحيح سوى واحد من نظامين وأحياناً الجمع بينهما: النظام الأكثري في دوائر فردية أو صغيرة. والنظام النسبي في دوائر متوسطة أو واسعة. وما حدث ويحدث هو الهرب منهما. والسبب هو تفصيل الطقم على الزر كما يقول المثل. فالنقاش يدور على مصالح الزعماء والطوائف والمذاهب وليس على مصلحة الناخبين وعلى اعادة انتاج التركيبة السياسية وليس على الاصلاح والسماح بنسمة جديدة في المناخ المأزوم الخانق.
وأي تغيير يبدو مخيفاً للتركيبة السياسية. والمفارقة هي أن الرهانات الكبيرة على انتخابات العام ٢٠١٣ ودورها في الإمساك بالسلطة، ترافقها الحسابات الصغيرة في بلد يواجه مخاطر خارجية هائلة ويعاني انقساماً داخلياً حاداً في اطار أزمة دائمة وعقم في المعالجة وحتى في إدارة الأزمة.