معركة القرار في مجلس الأمن تبدو كأنها حرب وقائية ديبلوماسية في نيويورك لتحديد المسار على الطريق من جنيف الى دمشق: مسار الاتفاق الأميركي – الروسي على تفكيك الترسانة الكيماوية السورية. لا فقط بالنسبة الى تطبيق الاتفاق بل أيضاً بالنسبة الى ما ليس في الاتفاق، وهو مصير الوضع السوري والحسابات الاستراتيجية حوله. فما اتفق عليه وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف يحتاج الى قرار دولي، وإلا بقي مثل اتفاق جنيف-١ الذي لم يصل الى المجلس كما طلب كوفي أنان، ولا أخذ طريقه الى جنيف-٢ برغم تعدد اللقاءات الأميركية – الروسية وجولات الأخضر الابراهيمي على العواصم. والتفاوض على القرار سمح لوزيري الخارجية الفرنسي لوران فابيوس والبريطاني وليم هيغ بالدخول على الخط للمطالبة بالحد الأقصى، وأغرى كيري بالانضمام اليهما، ودفع لافروف الى الاصرار على الحد الأدنى.
والسؤال ليس من الذي يجازف بالعودة الى ما قبل الاتفاق لضمان تطبيقه بالطريقة التي يريد بل كيف تنتهي المجازفة. هل تراهن موسكو على المزيد من توظيف الضعف الذي ظهر عليه الرئيس باراك اوباما، بعدما وظفت تردده حيال الضربة العسكرية في تقديم المقترح الذي أخرجه من المأزق وصار اتفاقاً؟ هل تراهن واشنطن وباريس ولندن على مسؤولية الروس عن الخيار الذي اتخذوه لتجنيب دمشق الضربة العسكرية، بحيث يدفعونهم الى المزيد من التعاون في ما يتجاوز الملف الكيماوي الى رؤية الغرب للحل السياسي؟
منطق الروس ثابت: الاتفاق على الكيماوي شيء والخلاف على نوع الحل السياسي شيء آخر. وهم يرفضون بناء القرار على الفصل السابع وأية اشارة الى استخدام القوة أو الى تحميل النظام السوري المسؤولية عن استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة. وهم رأوا ان تقرير الخبراء الدوليين منحاز ومسيّس وأحادي الجانب. لا بل أعلنوا أن لديهم أدلّة جديدة من دمشق على مسؤولية المعارضين عن استخدام الكيماوي.
ومنطق الغرب ان الاتفاق لم يكن ممكناً لولا التهديد بالضربة العسكرية. وهم يحاولون الحصول على قرار ملزم في المجلس تحت سيف التهديد بأن الضربة لا تزال خياراً على الطاولة. لا بل يريدون توظيف القرار كعصا اضافية في فرض رؤيتهم لمستقبل سوريا.
وخلافات ما بعد الاتفاق ليست أقلّ من خلافات ما قبله. وهي عميقة ومتصلة بالصراع الجيوسياسي في سوريا وعليها وعلى الشرق الأوسط، وان قيل ان في الديبلوماسية مخارج كثيرة. وليس أخطر من المجازفة بالاتفاق سوى الفصل بين عناصر الأزمة والتصرّف كأن الملف الكيماوي في بلد والحرب في بلد آخر.